المجتمع بين الواقع والظن ..

 إذا نظرنا في حالة الإنسان المعاصر ، وأوسعنا النظر فيما يواجهه في هذه البيئة المتعاركة ، والتي افتقدت المحرك الطبيعي والأساسي للإنسان في الماضي ، والذي كان هو السبب لإستقرار العقل البشري قبل أن يطور نفسه إلى ما يريد وفق علمه وتوجهه الذي يريده بعيدًا عن الأوامر الغير مباشرة والتي تجعل من النفس عرضة للمخاطر الجسيمة والمؤدية غالبا إلى سقوط العمل والخلق ، نجد أنفسنا أمام تحليلٍ صعب لأمواجٍ جعلت من بحر الحياة مكانًا يتمنى المرء به أقل القليل وهو عدم الغرق في ظلماتٍ سحيقة يحكمها السقوط والنوائب الموجهة في ظل التعقيدات الحسية المؤدية إلى العداء مع المسلمات العقلية ، مما يسبب توترًا واضحًا يجعلنا نكاد نوقن أن السباحة ستظل حلمًا صعب التحقيق بل قد يصل إلى الإستحالة في حالات .. 
لعلنا قد أرهقنا أنفسنا في بداية حديثنا ، ولكن صعوبة الأمر تدعو إلى ذلك .. 
إن المؤثرات السطحية الحديثة والتي تمارس على غالب العقول هواياتها اللاعقلية ، صنعت هوية جديدة وتوجهًا جديدًا للفكر بطريقة براغماتية تدعمها أسس مكيافيلية رسمت مدركاتٍ أقل وصفٍ لها هو البعد عن الفضيلة المتوارثة في محيط الجذور المتأصلة في المجتمع عبر عاداتهم الواقعة قي أعلى درجات الرقي الأخلاقي والذي يلامس القلب والعقل معًا ، ومع ذلك نستطيع أن نقول بأن الأمر دارج حتى وإن رفضته العقول النيرة والقلوب السليمة ، فالمتوقع دائمًا ما يكون غير الواقع ، وكلنا نعلم أن متغيرات الحياة المعاصرة مخالفة تمامًا لما كانت عليه الحياة سابقًا من وجود مبادئ وأسس يعيش وفقها الفرد بنوعيه " العالم والجاهل " فتؤثر عليه بطريقة مكتسبة تدنيه مما جبل عليه المجتمع من جوانب حياتية تتجه في غالب أمرها إلى الفضيلة والرقي الأخلاقي .. 
إن الحالة السلوكية العامة والتي كانت في الماضي القريب تنتهج طريقة تربوية في التعامل مع الآخرين أوعزت للعقلاء من بني جلدتنا على التوقف عن التفكير في آثار المتغيرات المحيطة مما عزز بناء صورة نمطية للجيل الظاهر بأن الحرية ليست إلا انسلاخًا من الهوية المجتمعية السابقة مما سبب لدى الغالب فراغا داخليًا يحاول المرء أن يملأه بأي شيء من ظواهر الحياة التي مازالت البيئة ترفضها ، فبالتالي نسقط في حالات من الاضطراب السلوكي الفوضوي والذي يؤثر بجانبه على المؤسسات الفكرية والتي كانت تعمل وفق نقاط عتيقة قد لا تناسب سطحية وخواء العقل المعاصر .. 
مع أننا نعلم أن حقيقة التوقعات الغالبة في المجتمع تلامس الظن بأن تلاقح التوجهات الفكرية قد يكون هو الحل الوحيد في حال كانت الأوامر الظاهرة لها سلطة فعالة عبر طرق مدروسة قد تساعد في إضعاف الفجوة الفكرية بين الأجيال المتضاربة والمسببة للعداوة الظاهرة عبر مضامين الأفعال والأقوال لدى الجيل المعاصر والذي استباح في الغالب كل الأسس الممنوعة لدى الطرف الآخر الذي بدوره مازال يحاول أن يتأقلم مع ما يواجهه ظنًا منه أن استدراج فكرٍ بعيد كل البعد عن الخلفية الثقافية الماضية وإضفاء لمسات حرة قد يربط الأجيال ببعضها هو أقل ما يمكن فعله .. 
إن الجهل الحضاري الدارج في ممرات الفكر المعاصر والذي تكون وفق رؤىً حتمية ظاهرها سلوكي بحت وباطنها عميق قد لا يُرى أثره بسهوله في عصرٍ آخر أوجد لدينا قناعة بأن سرعة المتغيرات العصرية تدفع من تحركات كل شيء مما يؤدي إلى صعوبة اللحاق بأي ركب ، فلذلك لا نجد الإزدحام إلا على أثر ما هو ظاهرٌ وسطحي بعكس ماكان من المفترض أن يكون ، ومسرح الحياة دليلٌ على ذلك .. 
فلك أن تتصور عزيزي القارئ مدى الأزمة التي نتحدث عنها في ظل وجود العوامل المساعدة لحلها "ظنًا" والتي كانت هي المسامير المثبتة لتلك التشوهات الفكرية الضحلة بنظر الطرف الآخر ، والذي يتمنى أن يكون اتساع الأفق المعرفية كرامةً قادمة تميت النكران الحاصل وتوجه الظمآن للماء بعيدًا عن المفازة الموحشة التي لم يدرك أنه تائه في غوغائها ظنًا منه أنها الطريق إلى السعادة .. 
فهانحن ذا قد حاولنا تحليل جزءٍ يسير مما يحدث حولنا من انتشار للكلبية الظالمة والتي جعلت من جميع الأسس الموروثة في هذا المجتمع مذاهبًا طوباوية مرهقة تجعلنا ننهي حديثنا بسؤال مهم قد يكون بدايةً لحديث آخر .. 
هل الإنجراف سيكون عامًا أم أن للعقلاء قول آخر .. 


أحمد بن هشال 

31/3/2022